فصل: ثورة كمشيقا بحلب وقيامه بدعوة السلطان.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ثورة كمشيقا بحلب وقيامه بدعوة السلطان.

قد كنا قدمنا أن الناصري ولى كمشيقا رأس نوبة نيابة حلب ولما استقل منطاش بالدولة ارتاب ودعاه بذلار ولما ثار بدمشق إلى الوفاق فامتنع ثم بلغه الخبر بخلاص السلطان من الاعتقال بالكرك فأظهر الانتقاض وقام بدعوة السلطان وخالفه إبراهيم بن أمير جندار واعصوصب عليه أهل باقوسا من أرباض حلب فقاتلهم كمشيقا جميعا وهزمهم وقتل القاضي ابن أبي الرضا وكان معه في ذلك الخلاف واستقل بأمر حلب وذلك في شوال من السنة ثم بلغه أن السلطان هزم عساكر دمشق وابن باكيش وانه مقيم بقبة بلبغبا محاصرا لدمشق بعد أن نهبوا أثقاله وأخرجوا من الميدان فتجهز من حلب إليه في العساكر والحشود وجهز له جميع ما يحتاج إليه من المال والأقمشة والسلاح والخيل والابل وخيام الملك بفرشها وما عونها وآلات الحصار وتلقاه السلطان وبالغ في تكرمته ووفوض إليه في الاتابكية والمشورة وقام معه محاصرا لدمشق واشتد الحصار على أهل دمشق بعد وصوله واستكثار السلطان من المقاتلة وآلات الحصار وخرب كثيرا من جوانبها بحجارة المجانيق وتصدعت حيطانها وأضرم كثيرا من البيوت على أربابها فاحترقت واستولى الخراب والحريق على القبيبات أجمع وتفاحش فيها واشتد أهل القتال والدفاع من فوق الأسوار وتولى كبر ذلك منهم قاضي الشافعية أحمد بن القرشي بما أشار عليهم وفاه أهل العلم والدين بالنكير فيه وكان منطاش لما بلغه حصار دمشق بعث طنبقا الحلي دوادار الاشرف بمدد من المال يمد به العساكر هنالك وأقام معهم ثم بعث جنتمر إلى أمير آل فضل يعبر بن جبار يستجد به فجاء لقتالهم وسار كمشيقا نائب حلب فلقيه وفض جموعه وأسر خادمه وجاء به أسيرا فمن عليه السلطان وأطلقه وكساه وحمله ورده إلى صاحبه واستمر حصار دمشق إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى.

.ثورة انيال بصفد بدعوة السلطان.

كان انيال لما انهزم يوم واقعة دمشق فر إلى مصر ومر بغزة فاعتقله ابن باكيش وحبس بالكرك فلما استولى الناصري أشخصه إلى صفد فحبس بها مع جماعة من الأمراء وولى على صفد قلطبك النظامي فاستخدم جماهة من مماليك برقوق واتخذ منهم بلبغا السالمي دوادار فلما بلغه خلاص السلطان من الاعتقال ومسيره إلى الشام داخل بلبغا مماليك استاذه قطلوبقا في الخلاف واللحاق بالسلطان وهرب منهم جماعة فركب قطلوبقا في اتباعهم وأبقى بلبغا السالمي دوادار وحاجب صفد فاطلقوا انيال وسائر المحبوسين من السلطان فملك أنيال القلعة ورجع قطلوبقا من اتباع الهاربين فوجدهم قد استولوا وامتنعوا وارتاب من مماليكه فسار عن صفد ونهب بيته ومخلفه ولحق بالشام فلقي الأمراء المنهزمي أمام السلطان بشقحب قاصدين مصر فسار معهم ولحق انيال بالسلطان من صفد بعد أن ضبطها واستخلف عليها وأقام مع السلطان والله تعالى أعلم.

.مسير منطاش وسلطانه أمير حاجي إلى الشام وانهزامهم ودخول منطاش إلى دمشق وظفر السلطان الظاهر بأمير حاجي والخليفة والقضاة وعوده لملكه.

ولما تواترت الأخبار بهزيمة عساكر الشام وحصار السلطان الظاهر دمشق وظهور دعوته في حلب وصفد وسائر بلاد الشام ثم وصلت العساكر المنهزمون وأولاد بندمر ونائب صفد واستحثوه وتواترت كتب جنتمر نائب دمشق وصريخه أجمع منطاش أمره حينئذ على المسير إلى الشام فتجهز ونادى في العساكر وأخرج السلطان والخليفة والقضاة والعلماء سابع عشر ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وخيمو بالريدانية من ناحية القاهرة حتى أزاح العلل واستخلف على القاهرة دوادار صراي تمر وأطلق يده في الحل والعقد والتولية والعزل واستخلف على القلعة بكا الاشرفي وعمد إلى خزانة من خزائن الذخيرة بالقلعة فسد بابها ونقبها من أعلاها حتى صارت كهيئة الجب ونقل إليها من كان في سجنه من أهل دولة السلطان ونقل سودون النائب إلى القلعة فأنزله بها وأمر بالقبض على من بقي من مماليك السلطان حيث كانوا فتسربوا في غيابات المدينة ولاذوا بالاختفاء وأوعز بسد كثير من أبواب الدروب بالقاهرة فسدت ورحل في الثاني والعشرين من الشهر بالسلطان وعساكره على التعبية وطووا المراحل ونمي إليه أثناء طريقه أن بعض مماليك السلطان المستخدمين عند الامراء مجمعون على التوثب ومداخلون لغيرهم فأجمع السطوة بهم ففروا ولحقوا بالسلطان ولما بلغ خبره مسيرهم السلطان وهو محاصر دمشق ارتحل في عساكره إلى لقائهم ونزل قريبا من شقحب وأصبحوا على التعبية وكمشيقا بعساكر حلب في ميمنة السلطان ومنطاش قد عبى جيشه وجعل السلطان أمير حاجي والخليفة والقضاة والرماة من ورائهم ووقف معهم تمار تمرراس نوبة وسندمر بن يعقوب شاه أمير سلاح ووقف هو في طائفة من مماليكه وأصحابه في حومة المعترك فلما تراءى الجمعان حمل هو وأصحابه على ميمنة السلطان ففضوها وانهزم كمشيقا الى حلب ومروا في اتباعه ثم عطفوا على مخيم السلطان فنهبوه وأسروا قجماش ابن عمه كان هناك جريحا ثم حطم السلطان على الذي فيه أمير حاجي والخليفة والقضاة فدخلوا في حكمه ووكل بهم واختلط الفريقان وصاروا في عمى من أمرهم والسلطان في لمة من فرسانه يخترق جوانب المعترك ويحطم الفرسان ويشردهم في كل ناحية وشراد مماليكه وأمرائه يتساقطون إليه حتى كثف جمعه ثم حمل على بقية العسكر وهم ملتئمون على الصفدي فهزمهم ولحقوا بدمشق وضرب خيامه بشقحب ولما وصل منطاش إلى دمشق أوهم النائب جنتمر أن الغلب له وأن السلطان أمير حاجي على الأثر ونادى في العساكر بالخروج في السلاح لتلقيه وخرج من الغد موريا بذلك فركب إليهم السلطان في العساكر فهزمهم وأثخن فيهم واستلحم كثيرا من عامة دمشق ورجع السلطان إلى خيامه وبعث أمير حاجي بالتبري من الملك والعجز عنه والخروج إليه من عهدته فأحضر الخليفة والقضاة فشهدوا عليه بالخلع وعلى الخليفة بالتفويض إلى السلطان والبيعة له والعود إلى كرسيه وأقام السلطان بشقحب تسعا واشتد كلب البرد وافتقدت الأقوات لقلة الميرة فأجمع العود إلى مصر ورحل يقصدها وبلغ الخبر إلى منطاش فركب لاتباعه فلما أطل عليه أحجم ورجع واستمر السلطان لقصده وقدم حاجب غزة للقبض على ابن باكيش فقبض عليه ولما وافى السلطان غزة ولى عليها مكانه وحمله معتقلا وسار وهو مستطلع أحوال مصر حتى كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.